المحن في حياة الفرد والمجتمع هي المحك الرئيسي لتحميص مدى صدقة ونوعية معدنية وقوة مقاومته للمحن والشدائد حرير وعسل وسمن فإذا مات عرض لمحنة ما فتخلط عليه الأمور فلا يعرف كيف يتصرف ولا من أين يبدأ ولربما خرج عن الجادة كالجهاز الكهربائي الذي يمر فيه تيار أكبر من مقاومته فيصاب بالتلف لذا نبهنا الله عزوجل في كتابه الكريم لهذه المعاني بداية من أكبر مصيبة ألا وهي مصيبة الموت ودلنا على المحول الذي يحول الصدمات القوية تحاشيا للتلف والخسارة كما تصنع محولات للأجهزة الكهربائية ففي سورة البقرة وهي سورة مدنية يقول تعالى " يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين "(153-158) .في هذه الآيات نداء للمؤمنين والمؤمنات بالاستعانة بالصبر والصلاة لان الصبر الواقي الأول للصدمات (بار شوك) وهو سبب في تخفيفها وتضعيفها على نفسية المؤمن لكي لا ينجز رد فعل المصيبة أو المحنة بفعل لايقبله الله عزوجل والواقي الثاني للصدمات هي الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يوقع له أمر بشرع في الصلاة ويقول يا بلال أرحنا بها لأنه سبلا في رب العالمين رافع السماوات بلا عهد الذي لا تعجزه مصيبة صغيرة ولا كبيرة لهذا شرع الصبر والصلاة حين وقوع المصيبة ومن ثم الدعاء فيها بالتثبيت ورفع هذه المصيبة أو المحنة ويقول تعالى:"إن الله مع الصابرين " . المعية هي وصدها كافية لرفع ما حل بالمؤمن في أي مصيبة كانت فمن كان الله معه كان معه كل شيء فهذان العلاجان الصبر والصلاة تلتهما مصيبة الموت.ونهانا الله عن القول بأن المقتول في سبيل الله ميتا بل هو حي ولكن لا نشعر بها بل يشعر بها صاحبها المقتول في سبيل الله لأن الشهيد في سبيل الله يتمنى على الله أن يعيده إل ى الدنيا مرة أخرى لكي يقتل في سبيل الله فلو كان قتله في سبيل الله موت فلا أحد يمنى الموت.فبعد مصيبة الموت يخبرنا مولانا عزوجل بخمس محن يقول تعالى : " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين.." (الآية 155)
فالمحنة الأولى هي "الخوف". والثانية " الجوع". والثالثة "الأموال". والرابعة " الأنفس". والخامسة " الثمرات".
فالعبد المؤمن يتعرض لهن جميعا أو بعضهن وما عليه إلا الاحتساب والتمسك بالصبر والصلاة لكي ينال الجائزة والبشارة إلا وهي" وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون(156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)". ورسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض لهن جميعا فكان الخوف في مكة في بداية الرسالة والجوع والحصار في مكة لما حاصره كفار مكة والفقر والاحتياج وموت جده وعمه وزوجته خديجة رضي الله عنها فنحن لسنا بأفضل منه صلى الله عليه وسلم فانه لو طلب من الله المال لكانت له الجبال ذهبا ولكن الآخرة خير من الأولى وليس هذا معناه أن المؤمن لا يطلب المال ولكن إذا تعرض لأحدى هذه المحن فليقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل التالي لهذه الآيات يتوافق عند قوله تعالى :"فأولئك هم المهتدون"(157)
ويقول انتهى المعنى فالمعنى لم يكتمل وقد وردت آيات السعي والمروة فعلى القارئ الكريم يتساءل ما علاقة آيات الصبر والصلاة والابتلاء والمحن الصفا والمروة . فالعلاقة كبيرة جدا فالله سبحانه وتعالى يذكرنا بنموذج السيدة هاجر أم إسماعيل عليه السلام وزوجة إبراهيم عليه السلام وقد تعرضت للحن الخمس السالفة الذكر في الآية(155) فتركها إبراهيم عليه السلام لا أمن فيه ولا شراب ولا مأكل ولا مال ولا أنيس فقد كانوا ثلاثة إبراهيم وإسماعيل وهاجر فرحل إبراهيم عليه السلام فبقي اثنان (نقص من الأنفس) فلما هم إبراهيم عليه السلام بالرحيل نادته هاجر إلى من تتركنا الله أمرك بهذا فلما أجاب بأنه أمر من الله فقالت وهي واثقة من رب العالمين لأنه لا يضيعها هي وصغيرها وهما في أشد حالة الضعف امرأة وطفل صغير في واد غير ذي زرع .
فانظر أخي القارئ البشارة والجائزة التي تحصلت عليها السيدة هاجر وابنها إسماعيل وفاض خيرها إلى يومنا هذا والى قيام الساعة يقول تعالى في سورة إبراهيم "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بليتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"(37)
فلاحظ أخي القارئ المحن الخمس كيف انقلبن إلى منح
• فالخوف انقلب إلى امن " رب اجعل هذا البلد آمنا " فالبيت الحرام آمن فيه كل مؤمن حتى الطيور والحيوان فمن قتل واحدة منها فعليه فدية .
• والجوع : فخيرات مكة فاقت كل تصور فالفواكه والخضر وجميع المأكولات في كل الفصول موجودة " وارزق العلة من الثمرات"
• الأنفس فالبيت الحرام لا تخطو ساعة إلا والطائفين بالبيت والساعين بين الصفا والمروة بالآلاف بل بالملايين .
• الأموال : فإن أغلى متر مربع من الأرض هو في مكة
• الثمرات : فكل خيرات العالم موجودة في مكة وهذه دعوة إبراهيم عليه السلام بركتها إلى يومنا هذا .
فأخي المؤمن إن الفرج مع الصبر وإن مع العسر يسرا وإن الصبر مثل اسمه لكن عواقبه أحل من العسل . أخي القارئ طريق المحن هو طريق الأنبياء والرسل عليهم السلام والصالحين فلما صبروا نالوا المراتب العليا عند رب العالمين فانظر أخي الكحل مثلا كان في مكانه قبل التصنيع مرميا يداس فلما طحن أصبح يوضع في العين وهي أغلى حاسة عند الإنسان فلابد من المحك ليميز الله الخبيث من الطبيب يقول تعالى "الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم يفتنون. ولقد فتنا الذين من بلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" العنكبوت"(01-03).
والجديد لما يراد تنقيته وتصفيته من الشوائب,يوضع في النار يزال خبثه ,فكذلك المؤمن إذا أحب عبده ابتلاه وإذا صبر اصطفاه وجزاه وهو ارحم بعبده من نفسه.
أخي لما تحل بك محنة فقابلها بالصبر والصلاة والدعاء والصدقة والاستغفار وسارع إلى التوبة فالمحنة أما لذنب ارتكبته "مما كسبت أيديكم ويعفوا عن كبير"
وأما درجة أراد الله أن يرفعك أليها فالمؤمن لما تكون أعماله لا ترقى إلى درجة ما فالله يبتليه ليوصله إليها.
فالمؤمن أمره كله خيران أصابته سراء شكر فكان ضرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ولا يكون ذلك إلا للمؤمن فالمؤمن سعادته حين تكون مع الله فمن عرف الله وجد كل شيء ومن لم يعرف الله فقد كل شيء .
أخي المؤمن فمهما تعاظمت المحن وضاقت بك الدنيا وقلت النعم وجفاك القريب فتذكر أن كل بلاء دون النار عافية,وكل ضيق دون القبر سعة وكل نعمة كل الجنة فانية.
وفي الختام أن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي والشيطان وصلي الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والسلام عليكم
السبت يونيو 19, 2010 4:32 pm
